خلينا نستخدم قواعد السياسة..
دعك من كل التفاصيل وهذه الخلافات الجزئية العارضة، مثل موضوع القضاء، فهي تشتتنا..
أحيانا يحتاج المحلل السياسي إلى أن يلقي حجرا إلى الأمام لاختبار المسافة، ولمعرفة حدود وأبعاد الظاهرة..
دعنا نلقي بعض الأحجار الافتراضية..
ماذا يريد حزب النور تحديدا؟ ليس اليوم أو غدا، بل بعد غد..
جَمَّع الأجزاء الصغيرة، رتبها متجاورة، حاول أن تستقرئ منها توجها عاما..
وهذه بعض الجزئيات المهمة/
استخدام التصويت في "مجلس شورى الدعوة" كآلية لاختيار مرشح الرئاسة "أبو الفتوح" حتى لو كان ذلك يتعارض مع اختيار الشيخ ياسر نفسه "العوا"- تصريحات شفيق بعودته قريبا وأنه سيسترد حقه في الرئاسة- موقف حزب النور المفاجئ بالدفاع عن قضاء مبارك ورفض قانون السلطة عن طريق الشورى- ثناء الزند على حزب النور- موجة الهجوم المكثفة على الإخوان بعد الاستفتاء على الدستور- تصريح د. ياسر أنه ليست لديه مشكلة مع شفيق لو لم تتم إدانته قضائيا- تصريح الشيخ أحمد فريد عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية أن الأيام لو عادت لانتخب شفيق بدلا من مرسي- مبادرة حزب النور التي يفرضها الحزب كإطار جبري للمرحلة- تصعيد لهجة السخرية من الرئاسة بالتزامن مع سخرية الإعلام وتجاوزاته- إصرار الشيخ ياسر على أن الإخوان لن يحصلوا إلا على أقل من 20% في الانتخابات- وصفه الأحزاب عدا البناء والتنمية بأنهم تابعون للإخوان- خفوت حاد للخطاب النقدي لرموز جبهة الإنقاذ – المبالغة في الحديث عن الخطر العقدي للشيعة رغم أنه خطر مستقبلي محتمل، والإعراض عن أخطار عقدية قائمة مزمنة مثل: التنصير أو العلمنة أو الصوفية ...إلخ - تراجع حدة وكثافة الهجوم الإعلامي على الدعوة والحزب في الإعلام الفلولي، بل تظهر عبارات ثناء كثيرة- صدور حكم بــ 15 سنة على قاتل سيد بلال- القضايا المرفوعة ضد الرئاسة ومرسي والدستور والشورى والتي تجعل كل شيء على المحك- حلقة باسم يوسف التي تناولت الدعوة السلفية والشيخ ياسر، تركزت على الشكل وليس المضمون، وبالمفهوم الإعلامي: هل كانت سخرية من أجل الهجوم أم الدعاية؟- التلويح أثناء حلقة الأبراشي عن زيارة شفيق، بوجود تسجيل للقاء "ورقة ضغط محتملة"- وضع شروط تعجيزية أمام محاولات الوساطة مع الإخوان- ارتفاع مفاجئ لحدة النقد والسخرية المتبادلة بين الدعوة وتيارات إسلامية أخرى- زيارة أمريكا....إلخ
هذه رغم كثرتها مجرد أمثلة، والباحث يجب أن يستخلص نتائجه من مئات المعلومات المتناثرة..
تحليل ما سبق يضعنا أمام 3 مسارات رئيسية لحزب النور تسير بالتوازي..
المسار الأول: التأصيل لتحويل الشريك الافتراضي- الإخوان- إلى خصم..
عن طريق ترسيخ عداوة الإخوان، وأنهم خارج نطاق "الإسلامية" كمشروع، وخارج نطاق الكفاءة، كسياسة..
المسار الثاني: الترويج لتغيير – توسيع- الوعاء السياسي الذي يجمع القوى السياسية، ليصبح "وعاء الوطن" بدلا من "وعاء الإسلام"، وذلك من أجل التأصيل للتعاون مع الإنقاذ واستبعاد الإخوان.
وفي هذا المسار تتم عملية ممنهجة لنقل جبهة الإنقاذ من مربع "التآمر" إلى مربع "الخلاف السياسي" المقبول..
المسار الثالث: الترويج لاستبدال الشراكة مع الإخوان، بالشراكة مع جبهة الإنقاذ، والشراكة هنا تعطي معنى يختلف عن التحالف، ويتضح معنى الشراكة من خلال مراجعة مقال عبد المنعم الشحات عن مفهوم "الحافلة" لتوضيح فلسفة العلاقة مع القوى العلمانية "المصالح المشتركة" وهي قد تكون مقاربة سطحية نوعا ما، لكنها تكشف عن اتجاهات التفكير..
وطبعا المقصود بـــ"الحافلة" هنا هو "وعاء الوطن" الذي أشرت إليه سابقا، وهذا المفهوم "الحافلة" يمكن أن يستوعب تطبيقات سياسية للعلاقة ربما لا تقل عن مستوى "التحالف"، لكنه نوعٌ من العدول عن المصطلح المعروف إلى مصطلح غريب لتشويش المعنى..
هذه المسارات الثلاثة لها نقاط التقاء متعددة محتملة، نذكر منها السيناريوهين الرئيسين/
أولا: أن يتفاعل الضغط على الرئيس لدرجة إجباره على الانتخابات المبكرة، سواء قضائيا أو عن طريق الفوضى، وهنا يمكن أن يعود شفيق للمشهد، ويتحقق "وعد أحمد فريد" بانتخابه، مع بعض الوعود "الأتاتوركية" الزائفة من شفيق عن الشرعية والشيعة..إلخ، وكلها يمكن الانقلاب عليها لاحقا، وهنا يمكن تفعيل "مجلس شورى الدعوة" لتجاوز موقف "رفض الانتخابات المبكرة".
ثانيا: أن تستمر حالة عد الاستقرار لكن دون انهيار، إلى أن تحين الانتخابات البرلمانية، حيث يتصاعد الهجوم بصورة حادة ضد الإخوان وبقية الأحزاب الإسلامية، وذلك من أجل تقليل حظوظهم لتخرج النتيجة باحتمالية أن يشكل حزب النور مع أحزاب الجبهة حكومة ائتلافية تكون مؤيدة من السلطة القضائية، وتسعى لتقليص صلاحيات الرئيس والتضييق عليه.
يمكن أن نستخرج سيناريوهات متفرعة كثيرة بين هذين، لكن يلاحظ في جميع السيناريوهات أمرين، الأول، هو أهمية وجود المكون الإسلامي في توليفة الحكم الجديدة، شريطة أن يكون أليف يمكن التعامل معه، والثاني، أن القصة كلها تدور حول إخراج الإخوان بوصفهم القوة التنظيمية الأقدر على الإمساك بتلابيب النظام، وتغييره بصورة حقيقية، في مقابل حزب النور الذي بالكاد يخوض العمل السياسي منذ عامين فقط، ولا يزال في مرحلة البناء حيث يفتقد لكثير من الخبرات السياسية والتنظيمية، وبالتالي لا يشكل خطرا، بل يمكن استبعاده مستقبلا بسهولة بالغة، وبذلك يكون قد تمت تنحية الخطر الإسلامي في مصر لفترة طويلة..
هذه النتائج لم يعد فحواها غريبا، بل تجده يتردد على كثير من الألسنة بصياغات متفاوتة،
مع ذلك لن أقول متيقنا أن هذا هو ما يخطط له حزب النور، بل سأقول مع إحسان الظن، أن هذا ما يُخطِطه الآخرون لكي يدفعوا الحزب إليه، وأعتقد أنهم قادرون على ذلك.. لماذا؟..
لأنه من خلال تتبع الأداء السياسي والخطاب الإعلامي للحزب، بالإضافة إلى التطور المهاري لأعضائه وتنوع خبراتهم وطريقة اختيار القيادات وتعيينهم وكثرة الأخطاء الإعلامية، وضعف التماسك الفكري، وافتقاد لغة السياسة في التعامل العام، وعدم وصول العمل المؤسسي إلى درجة التعقيد الموجودة لدى الإخوان، أو حتى يدانيها...إلخ
كل ذلك يجعلنا نوقن بأن الحزب- الدعوة- لا يوفر حتى الآن كتلة تنظيمية قادرة على استيعاب أو احتواء المؤامرة التي يتعرض لها، بل لا تزال "الدعوة السلفية" في مرحلة التحول من حالة "التيار" إلى حالة "التنظيم"، ولا يزال العمل السياسي يدار من خلال أفكار عامة، وليس إستراتيجيات قوية متماسكة.
أعلم جيدا أن كثيرا من أعضاء الدعوة والحزب في مختلف المستويات، غير راضين عن التطورات والمواقف الأخيرة، وقد لمست ذلك من خلال حوارات مباشرة مع بعضهم..
أتمنى أن يكون هذا التحليل غير صحيح، لكن هذا لن يتأكد إلا بأن يخرج قيادات الحزب لينفوا لنا ما سبق جملة وتفضيلا-وليس بمجرد نفي التحالف كالعادة- ويثبتوا أنهم لن يتركوا الوعاء الإسلامي قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، وأنهم لن يَصعَدوا سياسيا على أشلاء إخوانهم... مهما كانت المغريات.. أو الضغوط..
فهل يفعلوا؟
دعك من كل التفاصيل وهذه الخلافات الجزئية العارضة، مثل موضوع القضاء، فهي تشتتنا..
أحيانا يحتاج المحلل السياسي إلى أن يلقي حجرا إلى الأمام لاختبار المسافة، ولمعرفة حدود وأبعاد الظاهرة..
دعنا نلقي بعض الأحجار الافتراضية..
ماذا يريد حزب النور تحديدا؟ ليس اليوم أو غدا، بل بعد غد..
جَمَّع الأجزاء الصغيرة، رتبها متجاورة، حاول أن تستقرئ منها توجها عاما..
وهذه بعض الجزئيات المهمة/
استخدام التصويت في "مجلس شورى الدعوة" كآلية لاختيار مرشح الرئاسة "أبو الفتوح" حتى لو كان ذلك يتعارض مع اختيار الشيخ ياسر نفسه "العوا"- تصريحات شفيق بعودته قريبا وأنه سيسترد حقه في الرئاسة- موقف حزب النور المفاجئ بالدفاع عن قضاء مبارك ورفض قانون السلطة عن طريق الشورى- ثناء الزند على حزب النور- موجة الهجوم المكثفة على الإخوان بعد الاستفتاء على الدستور- تصريح د. ياسر أنه ليست لديه مشكلة مع شفيق لو لم تتم إدانته قضائيا- تصريح الشيخ أحمد فريد عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية أن الأيام لو عادت لانتخب شفيق بدلا من مرسي- مبادرة حزب النور التي يفرضها الحزب كإطار جبري للمرحلة- تصعيد لهجة السخرية من الرئاسة بالتزامن مع سخرية الإعلام وتجاوزاته- إصرار الشيخ ياسر على أن الإخوان لن يحصلوا إلا على أقل من 20% في الانتخابات- وصفه الأحزاب عدا البناء والتنمية بأنهم تابعون للإخوان- خفوت حاد للخطاب النقدي لرموز جبهة الإنقاذ – المبالغة في الحديث عن الخطر العقدي للشيعة رغم أنه خطر مستقبلي محتمل، والإعراض عن أخطار عقدية قائمة مزمنة مثل: التنصير أو العلمنة أو الصوفية ...إلخ - تراجع حدة وكثافة الهجوم الإعلامي على الدعوة والحزب في الإعلام الفلولي، بل تظهر عبارات ثناء كثيرة- صدور حكم بــ 15 سنة على قاتل سيد بلال- القضايا المرفوعة ضد الرئاسة ومرسي والدستور والشورى والتي تجعل كل شيء على المحك- حلقة باسم يوسف التي تناولت الدعوة السلفية والشيخ ياسر، تركزت على الشكل وليس المضمون، وبالمفهوم الإعلامي: هل كانت سخرية من أجل الهجوم أم الدعاية؟- التلويح أثناء حلقة الأبراشي عن زيارة شفيق، بوجود تسجيل للقاء "ورقة ضغط محتملة"- وضع شروط تعجيزية أمام محاولات الوساطة مع الإخوان- ارتفاع مفاجئ لحدة النقد والسخرية المتبادلة بين الدعوة وتيارات إسلامية أخرى- زيارة أمريكا....إلخ
هذه رغم كثرتها مجرد أمثلة، والباحث يجب أن يستخلص نتائجه من مئات المعلومات المتناثرة..
تحليل ما سبق يضعنا أمام 3 مسارات رئيسية لحزب النور تسير بالتوازي..
المسار الأول: التأصيل لتحويل الشريك الافتراضي- الإخوان- إلى خصم..
عن طريق ترسيخ عداوة الإخوان، وأنهم خارج نطاق "الإسلامية" كمشروع، وخارج نطاق الكفاءة، كسياسة..
المسار الثاني: الترويج لتغيير – توسيع- الوعاء السياسي الذي يجمع القوى السياسية، ليصبح "وعاء الوطن" بدلا من "وعاء الإسلام"، وذلك من أجل التأصيل للتعاون مع الإنقاذ واستبعاد الإخوان.
وفي هذا المسار تتم عملية ممنهجة لنقل جبهة الإنقاذ من مربع "التآمر" إلى مربع "الخلاف السياسي" المقبول..
المسار الثالث: الترويج لاستبدال الشراكة مع الإخوان، بالشراكة مع جبهة الإنقاذ، والشراكة هنا تعطي معنى يختلف عن التحالف، ويتضح معنى الشراكة من خلال مراجعة مقال عبد المنعم الشحات عن مفهوم "الحافلة" لتوضيح فلسفة العلاقة مع القوى العلمانية "المصالح المشتركة" وهي قد تكون مقاربة سطحية نوعا ما، لكنها تكشف عن اتجاهات التفكير..
وطبعا المقصود بـــ"الحافلة" هنا هو "وعاء الوطن" الذي أشرت إليه سابقا، وهذا المفهوم "الحافلة" يمكن أن يستوعب تطبيقات سياسية للعلاقة ربما لا تقل عن مستوى "التحالف"، لكنه نوعٌ من العدول عن المصطلح المعروف إلى مصطلح غريب لتشويش المعنى..
هذه المسارات الثلاثة لها نقاط التقاء متعددة محتملة، نذكر منها السيناريوهين الرئيسين/
أولا: أن يتفاعل الضغط على الرئيس لدرجة إجباره على الانتخابات المبكرة، سواء قضائيا أو عن طريق الفوضى، وهنا يمكن أن يعود شفيق للمشهد، ويتحقق "وعد أحمد فريد" بانتخابه، مع بعض الوعود "الأتاتوركية" الزائفة من شفيق عن الشرعية والشيعة..إلخ، وكلها يمكن الانقلاب عليها لاحقا، وهنا يمكن تفعيل "مجلس شورى الدعوة" لتجاوز موقف "رفض الانتخابات المبكرة".
ثانيا: أن تستمر حالة عد الاستقرار لكن دون انهيار، إلى أن تحين الانتخابات البرلمانية، حيث يتصاعد الهجوم بصورة حادة ضد الإخوان وبقية الأحزاب الإسلامية، وذلك من أجل تقليل حظوظهم لتخرج النتيجة باحتمالية أن يشكل حزب النور مع أحزاب الجبهة حكومة ائتلافية تكون مؤيدة من السلطة القضائية، وتسعى لتقليص صلاحيات الرئيس والتضييق عليه.
يمكن أن نستخرج سيناريوهات متفرعة كثيرة بين هذين، لكن يلاحظ في جميع السيناريوهات أمرين، الأول، هو أهمية وجود المكون الإسلامي في توليفة الحكم الجديدة، شريطة أن يكون أليف يمكن التعامل معه، والثاني، أن القصة كلها تدور حول إخراج الإخوان بوصفهم القوة التنظيمية الأقدر على الإمساك بتلابيب النظام، وتغييره بصورة حقيقية، في مقابل حزب النور الذي بالكاد يخوض العمل السياسي منذ عامين فقط، ولا يزال في مرحلة البناء حيث يفتقد لكثير من الخبرات السياسية والتنظيمية، وبالتالي لا يشكل خطرا، بل يمكن استبعاده مستقبلا بسهولة بالغة، وبذلك يكون قد تمت تنحية الخطر الإسلامي في مصر لفترة طويلة..
هذه النتائج لم يعد فحواها غريبا، بل تجده يتردد على كثير من الألسنة بصياغات متفاوتة،
مع ذلك لن أقول متيقنا أن هذا هو ما يخطط له حزب النور، بل سأقول مع إحسان الظن، أن هذا ما يُخطِطه الآخرون لكي يدفعوا الحزب إليه، وأعتقد أنهم قادرون على ذلك.. لماذا؟..
لأنه من خلال تتبع الأداء السياسي والخطاب الإعلامي للحزب، بالإضافة إلى التطور المهاري لأعضائه وتنوع خبراتهم وطريقة اختيار القيادات وتعيينهم وكثرة الأخطاء الإعلامية، وضعف التماسك الفكري، وافتقاد لغة السياسة في التعامل العام، وعدم وصول العمل المؤسسي إلى درجة التعقيد الموجودة لدى الإخوان، أو حتى يدانيها...إلخ
كل ذلك يجعلنا نوقن بأن الحزب- الدعوة- لا يوفر حتى الآن كتلة تنظيمية قادرة على استيعاب أو احتواء المؤامرة التي يتعرض لها، بل لا تزال "الدعوة السلفية" في مرحلة التحول من حالة "التيار" إلى حالة "التنظيم"، ولا يزال العمل السياسي يدار من خلال أفكار عامة، وليس إستراتيجيات قوية متماسكة.
أعلم جيدا أن كثيرا من أعضاء الدعوة والحزب في مختلف المستويات، غير راضين عن التطورات والمواقف الأخيرة، وقد لمست ذلك من خلال حوارات مباشرة مع بعضهم..
أتمنى أن يكون هذا التحليل غير صحيح، لكن هذا لن يتأكد إلا بأن يخرج قيادات الحزب لينفوا لنا ما سبق جملة وتفضيلا-وليس بمجرد نفي التحالف كالعادة- ويثبتوا أنهم لن يتركوا الوعاء الإسلامي قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، وأنهم لن يَصعَدوا سياسيا على أشلاء إخوانهم... مهما كانت المغريات.. أو الضغوط..
فهل يفعلوا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق